04/08/2025

انحراف الحركة القضائية عن غايتها ومقاصدها القانونية وتحولت الى وسيلة عقاب وانتقام وابتزاز وتهديد لأمن القاضي انتهاك لكل ضمانات استقلال القضاء

 

كتب: القاضي/صلاح راشد حسين

 

انحرفت قرارات الحركة القضائية المستمرة طوال العام عن غايتها ومقاصدها القانونية، وتحولت الى وسيلة تنتهك من خلالها كل ضمانات استقلال القضاء والقاضي وحياده ونزاهته، وصارت أداة عقاب وانتقام وابتزاز وتهديد لأمن القاضي الوظيفي والشخصي، فضلاً عن خلق حالة عدم استقرار في العمل القضائي وفقدانه لهدف تراكم الخبرات والمعارف لدى منتسبيه بل وسبباً لتراكم القضايا وتتويه إجراءاتها واطالة أمد الفصل فيها، حيث شهدت محاكم ونيابات حركة تنقلات لرؤسائها وقضاتها من مرتين إلى ثلاث خلال أقل من ثلاث سنوات هي عمر مجلس القضاء الحالي بل بعضها خلال أقل من سنتين والبعض أقل من سنة، وهناك قضاة تم نقلهم بين عدة محاكم أو نيابات خلال أقل من سنة أو سنتين أو ثلاث وقبل أن يتعرف كل منهم على طبيعة وحجم القضايا والموظفين في المحكمة أو النيابة المنقول اليها.. وكل ذلك فضلاً عن كونه مخالفاً ومنتهكاً للمبادئ والنصوص الدستورية والقانونية والدولية ومنها مبدأ استقلال القضاء وضماناته التي يأتي في مقدمتها مبدأ عدم قابلية القاضي للنقل إلا طبقاً للحالات والشروط الموضوعية المنصوص عليها حصراً في القانون، فضلاً عن ذلك فإن حركة التنقلات هذه، تنافي جميع المقاصد والغايات التي شرعت لأجلها وتنسف جميع شروط ومعايير تنفيذها، إذ هي لا تحقق مقصد تراكم الخبرات والمعارف النوعية لدى القاضي، ولا تحقق الأمن الوظيفي والشخصي له ولا الاستقرار المهني ولا جودة العمل ولا مقاصد تقييم الأداء الوظيفي والمؤسسي وتحسينه، بل تحقق عكس ذلك تماماً (فوضى معرفية ووظيفية وإدارية وقضائية..)، إذ يستحيل عقلاً ومنطقاً وعملياً، أن يتم تقييم أداء القاضي سلباً أو ايجاباً خلال فترة أقل من ثلاث أو سنتين أو سنة في ظل الظروف الطبيعية فكيف الأمر في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد عموماً والقضاء خصوصاً منذ أكثر من عقدين وحتى اللحظة جعلت القاضي غير قادر على أداء مهامه بالشكل المعتاد بل وعاجزاً عن تأمين نفقات مواصلاته بين مقر العمل والسكن، وبالمحصلة؛ فإن حركة تنقلات القضاة المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية اليمني كل ثلاث سنوات كحد أدنى وخمس سنوات كحد أقصى، هدفها الأساسي ترقية القضاة حسب نتائج تقارير التفتيش القضائي خلال تلك الفترة حسبما نصت عليه صريح المواد (83، 91، 93، 98، 100، 101) من ذلك القانون، وتكون الحركة بالاستناد الى نتائج تقارير التفتيش سلباً أم ايجاباً.. كل تلك المبادئ والاحكام والشروط والمعايير اهدرتها وانتهكتها معظم قرارات حركة التنقلات الصادرة عن مجلس القضاء خلال الفترة السابقة وبلغت ذروتها بقرارات 14 يوليو الفائت التي شملت رئيس فرع نادي قضاة عدن وبعض أعضاء هيئته الإدارية عقاباً على ممارسة نشاطهم النقابي وبشكل صارخ ومكشوف ومصرح به، فانكشف واسقط بذلك الأمن الوظيفي والشخصي للقضاة جميعاً وبات مهدراً ومستباحاً لمجرد تلفظه بطلب أدنى حقوقه المشروعة المهدرة، ومتى فقد القاضي أمنه الوظيفي والشخصي وكرامته المهنية، فقد استقلاله وحياده ونزاته وتبعاً لها بالضرورة شرعية ولايته للقضاء، وهذا ما صرنا اليه حرفياً.