الجنوب برس

بيدري: تحديث أشبه بانفـ.ـجار عظيم.. في ظل أزمة الركود التي تشهدها جودة اللعبة وموت الارتجال واستبداله بالروبوتية.
كتب: الدنين بشير*
كتابات وتحليلات الجنوب برس
في ظل أزمة الركود التي تشهدها جودة اللعبة، وموت الارتجال واستبداله بالروبوتية التي بدأت تفرض سطوتها مع العولمة، كان لا بد من تحديث جديد في مستوى اللعبة، وقد كان هذا التحديث أشبه بانفـ.ـجار عظيم، انفجـ.ـار قادم من مطعم شعبي في مدينة تيجيسي الكنارية، حيث ترعرع بيدري بالقرب من أطباق الطعام التي تعدّها جدته كندلاريا لزبائن الحي.
ولا ينسى روبن دلغادو، المدرب الأول لبيدري، ذلك الصغير الذي أحيا فيه ذكرى إنييستا، عندما أشار إلى سماته في مقابلة مع ذا أتلتيك، مشبهًا إياه بإنييستا في طريقة انتقائه للحلول البسيطة، قائلًا: «إنه يفعل الشيء الصحيح في الوقت الصحيح»، بل كان يخترع «المساحات التي لا يراها أحد». قد لا تكون تلك وحدها العوامل التي جعلت روبن يرى فيه أندريسًا جديدًا.
في لحظة معينة، وبين الصغار، تقمّص بيدري روحه البرازيلية، مسجلًا هدفًا بارعًا، فوقف الجميع مصفقين. وبعد المباراة، سأله دلغادو:
— كيف فعلت ذلك؟
فأجاب بيدري ببرودة:
— لا أدري، حدث ذلك بشكل طبيعي.
لقد ارتمى ببساطة في أحضان الذكاء دون أن يعلم، كما فسّر سقراط قبل قرونا ، إذ إن الذكي هو الذي يعرف أنه لا يعرف، ولمورينهو إسقاط عظيم؛ من يعرف كرة القدم يعلم جيداً أنه لا يعرف كرة القدم .
ومن محاسن الصدف أن يولد بيدري وسط عائلة تشجع برشلونة، بل يُطلِقون عليها في غران كناريا لقب «الكتالونيين».
إنها عائلة رودريغيز، العائلة التي ورثت حب برشلونة أبًا عن جد، من الجد فرناندو الذي أسس أول رابطة تشجيعية للنادي في المدينة، وكان ذلك قبل ميلاد الحفيد بثماني سنوات، رفقة صديقه سيلغادو.
لقد لقّنوا بيدريتو، كما يحلو لهم تسميته، كل شيء متعلق ببرشلونة، حتى إن فرناندو أهدى له مقاطع من مايكل لاودروب، المثل الأعلى لمثله الأعلى إنييستا.
ولاودروب هو الرجل الذي قال عنه كرويف، في إحدى أروع المرثيات :
«لو وُلِدَ في أزقة البرازيل أو الأرجنتين، وكانت كرة القدم ملجأه الوحيد من براثن الفقر، إنه امتلك كل المهارات اللازمة، ما عدا تلك الغريزة الكامنة داخل أبناء الأزقة الفقيرة، التي كان بإمكانها حمله إلى هذه المكانة الكبرى».
وبيّن أعداد طابور الزبناء يقف خورخي فالدانو، أحد أمهر الخطباء والمنظرين في تاريخ اللعبة، يحتسي من نفس الخمرة التي احتسينا منها، بل سكر هو الآخر من مفعول خمرة كناريا، أسقط نكتة تصف المشهد ببلاغة، قائلا إن بيدري شريك الجميع لدرجة أنه أحياناً يدخل منظقة جزاء الخصم ناسياً وجود شبكة مرمى ويستمر في توزيع التمريرات.
وبحسب فالدانو فتكفي بيدري نظرة واحدة حتى تلتقط حواسه الملعب كما لو كان يتابع الملعب عبر شاشة سينمائية كبيرة.
البشر بطبعهم يكرهون الخسارة ويعشقون الانتصار، فنشوة الانتصار أعز إلى القلب، لكن المشاعر هنا تبدو متضاربة ومتناقضة بالنسبة لبيبي ميل، الرجل الذي منح بيدري أول فرصة للعب، وهو يتحدث عن خسرانه بحسرة قائلاً: “من المستحيل علينا تعويضه”، مضيفًا أنه سيكون “نجمًا ساطعًا في كرة القدم العالمية”، واستحالة التعويض لا يعوضها إلا وصول التلميذ إلى مقاصد النجاح.
بيدري فتى من سكان المدينة الفاضلة، يستوطن وطناً لا ينتمى له، إنه لاجئ من جمهورية برشلونة بيب، قدر له أن يعيش هنا، ينتثر سحرا تلاشى قبل سنوات، فقط يجب أن نستمتع به أكثر قبل أن نتحسر عليه أكثر.
* كاتب رياضي و عامل في قناة المرابطون